اليمين الإيطالي وتحديات الانتخابات القادمة
في 2001، ترشح سيلفيو بيرلسكوني لمنصب رئيس الوزراء وأنتج ما أصبح لاحقا رمزا لعهده: على التلفزيون الوطني وفي ذروة أوقات المشاهدة، وقّع برنامجه الانتخابي واعدا بخفض الضرائب، وزيادة المعاشات، وتنفيذ برنامج استثمار ضخم. ثم فاز في تلك الانتخابات وظل شخصية مركزية في الحياة السياسية الإيطالية إلى أن أرغمته أزمة اليورو على التنحي في 2011. اليوم، وبعد أكثر من 20 سنة على ذلك، يقدِّم اليمين الإيطالي اليوم وعودا مماثلة.
ولكن العودة إلى الماضي عادة ما تكون مخيبة للآمال. ثلاثي الأحزاب اليمينية، الذي تقوده جورجيا ميلوني وماتيو سالفيني وبرلسكوني (الذي يبدو كما لو أنه لا يشيخ أبدا)، كشف عن برنامجه الانتخابي المشترك الأسبوع الماضي.
ونظرا لأن استطلاعات الرأي تُظهر أن ائتلافهم سيحقق فوزا مهما في انتخابات الشهر المقبل المبكرة، فإن هذا المخطط السياسي مهم جدا. الوثيقة التي تتألف من 17 صفحة تتناول الاقتصاد، والسياسة الخارجية، والقيم المسيحية، وكل شيء بينها، ولكن يمكن تلخيصها عموما باعتبارها حديثا وطنيا وخليطا من خفض الضرائب. كما أنها تعاني من شح مزمن في التفاصيل بخصوص المواضيع الكبيرة مثل كيفية تحفيز الاقتصاد. والحال أنه من الصعب أخذ أجندة على محمل الجد إذا كان كل ما تفعله تقريبا هو إعادة تغليف وتعبئة شعارات قديمة وتقديمها في حلة جديدة.
معظم البرنامج يقوم على الوعد بضريبة ثابتة على الدخل. هذه الفكرة كلاسيكية قديمة لدى اليمين الإيطالي، والمشاكل حولها ما زالت موجودة. ومن ذلك أنها تتعارض مع الإجماع العام عبر أوروبا على أن الضرائب ينبغي أن تكون تصاعدية، وخاصة على الدخل، حيث إنه كلما كبر دخل المرء، كبرت معه الضرائب المستحقة عليه.
غير أن برلسكوني يدعو إلى ضريبة ثابتة محددة في 23% بالنسبة للأسر والشركات، ويرغب في فعل ذلك في غضون المئة يوم الأولى من عمر حكومته. المثير للاهتمام هو أن ميلوني أكثر تحفظا بخصوص ضريبة ثابتة. ذلك أنها لم تخض حقا في التفاصيل وتتحدث عن إطلاق تدريجي. سالفيني وبرلسكوني يحاججان بأن من شأن هذا الإصلاح الضريبي دعم النمو، في وقت تتحرر فيه القدرة الشرائية من الضرائب، ومحاربة التملص الضريبي، الذي يمثّل مشكلة حقيقية بالنسبة لإيطاليا.
ولكن الاقتصاديين يحذّرون من أن ذلك يمكن أن يخلق ثقباً في الميزانية الوطنية من دون أن يؤدي إلى تعزيز النمو المطلوب أو القضاء على اقتصاد الظل. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن ديون إيطاليا ازدادت منذ الانتخابات الأخيرة في 2018 -من 130% إلى 150% تقريبا من الناتج المحلي الخام- تعني أن الغرب بات لديه هامش مناورة أقل لمثل هذه التجارب الضريبية هذه المرة.
واللافت أن البرنامج لا يتضمن أي إشارة إلى مصطلحي الدّين والعجز. ولئن كان هذان اللفظان غير ذوَي شعبية، فإن إيطاليا لا يمكنها أن تتجاهلهما. ذلك أن مصداقيتها تجاه الأسواق والمؤسسات الأوروبية التي تقدِّم مليارات اليوروهات من التمويلات تتوقف عليها. عندما جُلب الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي إلى الحكومة في 2021، كانت الفكرة هي أن يجلب معه أخيرا إصلاحات بنيوية أساسية مقابل التمويل الأوروبي. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت إيطاليا أكبر مستفيد من قروض الجائحة ومِنحها. ويذهب التفكير الحالي في بروكسيل إلى أنه حتى مع رحيل ماريو دراجي، فإن الحكومة الإيطالية المقبلة ستحافظ على النهج نفسه. والمستثمرون يأملون الشيء نفسه.
غير أن برنامج اليمين السياسي يشكّك في تلك الرؤية. إذ تؤكد ميلوني وسالفيني وبرلسكوني أنهم سيستخدمون كل الموارد الأوروبية التي في حوزتهم ويشيرون إلى أنهم يمكنهم أن يراجعوا مخطط دراجي حينما تصبح لديهم حكومة. والحال أن الابتعاد عن خريطة الطريق التي رسمها رئيس الوزراء السابق سيؤدي من دون شك إلى اضطرابات في السوق.
ويمكن أن يصعِّب على البنك المركزي الأوروبي استخدام أداته الخاصة بمحاربة التجزئة المالية. ومن جانبها، ربما تقدِم المفوضية الأوروبية على تجميد مدفوعاتها من صندوق التعافي من الجائحة إذا ألغت روما الإصلاحات أو امتنعت عن تطبيق تلك المتفق عليها. وعلى الرغم من أن انسحاب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي غير مطروح على الطاولة، إلا أن التحول إلى حكومة تقودها ميلوني لن يخلو من المخاطر. فهي تدين بصعودها في استطلاعات الرأي إلى بقائها خارج ائتلاف دراجي ولعب دور المشاغب في العديد من الحالات. وحتى الآن، كانت ميلوني قوة معارضة، وناخبوها يتوقعون منها أن تكسر نوعاً ما الوضع الراهن. وهذا هو الخط الرفيع الذي يتعلق به مستقبل إيطاليا. وعلى الرغم من كل كلامه المفخّم، إلا أن البرنامج السياسي لا يوفر وضوحا كبيرا بخصوص المآل الذي ستؤول إليه الأمور.
*كاتبة وصحافية مقيمة في بروكسيل
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»